الأربعاء، 28 أغسطس 2013

الحلقة التاسعة والعشرون: رسالة حب حملها لي فيصل


التجربة التي مرت بها أسرتي والمتمثلة باستقبال فيصل كفرد فيها، ساهمت في ترابط أفراد الأسرة، وأسهم بتلاشي بعض السلوكيات السلبية منها، بالرغم من كل  التحديات والمصاعب التي تخللت تلك التجربة والتي كان بعضها قاسياً عليهم.

حقيقة أنا لا أستطيع أن أصف مدى فخري واعتزازي برؤية أبنائي يتهافتون لمساعدة أخيهم الصغير فيصل وتدريسه واللعب معه والحديث معه بصورة عفوية، قد يكون لفيصل في منزلي معاملة خاصة، خصوصاً وأنه آخر العنقود، ولكني أرى علاقته مع أخوته ونقاشاته التي يخوضها معهم لا تزيدني إلا سعادة وفخراً وأنا أراقبهم من بعيد.

فيصل علمني أن الحياة ليست سوى مجموعة اختيارات، فحياتي بمجملها ماهي إلا نتيجة لتراكم قرارات اتخذتها سابقاً.
منحنا الله سبحانه وتعإلى نعمة الأختيار، فلنا أن نختار أن نكون سعداء أو عكس ذلك، فتلك التحديات التي تعترض حيواتنا ما هي إلا أحداث واقعة، و وقت سيمر شئنا أم أبينا، فنحن نقرر إما أن يمر ونحن متقبلين فنتعلم من ما نمر به ونسخره لدعمنا إيجابيا أو نقضي الوقت بالتألم والنحيب والأكتئاب الذي يؤثر بدوره على أنفسنا وصحتنا وقوة إيماننا، ويمتد لأسرنا ومن حولنا، و الحصول على ذلك أو الحيلولة دونه، يبدأ بقرار.

فيصل غير حياتي، وأعطاني درساً صعباً في الحياة، ومازالت الدروس تتكشف أمام عيني كلما تفكرت في حياتي وأمعنت النظر في حياة فيصل وما أحدثه وجوده من تغيير في عالمي وعالم من هم حوله.

حياتي صارت أجمل بفيصل، فقد علمني وجوده أن أؤمن بنفسي، وأن لا أيأس في سبيل تحقيق ما أصبوا إليه، وأن الفشل خريطة تدلني على طريق النجاح، علمني الصبر، وجعلني أتذوق طعم النصر الذي يأتي بعد الصبر، و أثبت لي أن هناك علاقة طردية بين مقدار حلاوة النصر ومرارة الصبر.





الحلقة الثامنة والعشرون: فيصل غير حياتي

حياتي اختلفت بعد ولادة فيصل كثيرا، فقد خضت معه عالم النقائض، والتغيرات السريعة، وتأثرت بها. تجربتي القاسية مع فيصل، وبعدي عن باقي ابنائي من جهة، و روح فيصل الرقيقة الغضة التي تشع حباً وتمنح السعادة اللامشروطة، وتعلق اخوته الشديد به من جهة أخرى، نقيضين كان لهما أثراً علاجياً ساهم في شفاء الكثير من جروحي النفسية، و جعل شخصيتي أكثر قوة، وتماسكاً، فلم أعد تلك السيدة المسالمة، بل أصبحت امرأة مختلفة.

علمت أن الحياة أعمق من ما كنت اعتقد، وابعد مما كنت ارى، و فهمت أن لكل إنسان رسالة يؤديها في هذه الحياة، فلبعضنا علينا حقاً، وإن لم نعرف بعضنا البعض، تجمعنا الإنسانية والدين و يحضننا الوطن. 

أصبحت أعيش لأهداف وضعتها لنفسي، انقشعت غيمة كانت تربض أمامي دون أن أدرك أنها هناك، فأصبحت أرى الطريق ممتداً أمامي حتى يتصل بالأفق، حيث أرى أحلامي شامخة كالجبال، تنتظرني هناك لأشق طريقي بهمّة نحوها. 

فيصل يجعل العالم أفضل، وكل فيصل في هذه الأرض جاء برسالة إلى أهله ومن هم حوله، أرسلهم الله رحمة من عنده، ليبدل الله بهم من حال إلى حال، ولنا الخيار في أن نشكر، فنضفر، أو غير ذلك... جعلنا الله واياكم من الشاكرين الحامدين المؤمنين بقضاء الله وقدره. 




السبت، 3 أغسطس 2013

الحلقة السابعة والعشرون: تعايش


المصاب بالصلب المشقوق يأتي بحزمة من التحديات التي يجد نفسه مضطراً لأن يتعايش معها هو، وذويه، والمحيطين به، وتلك التحديات تختلف من مصاب لأخر كلاً على حسب نوع إصابته ومدى تأثيرها على الأجزاء المختلفة في جسدة، وأدناه بعض من التحديات التي تعاملت معها في حالة ابني فيصل:

الإستسقاء الدماغي: عندما كان فيصل صغيراً كانت تظهر عليه أعراض التعب والأرهاق ويبدوا أنه يتألم، حتى أنه أحيانا يفقد الإحساس بأطرافه، فلا يعود يشعر بوخز الأبر في ذراعيه، وذلك كان تأثير عطب في جهاز تصريف السوائل(الاستسقاء الدماغي)، و عدم مناسبته له، فعندما مرّ فيصل بتلك التجربه أجريت له عملية لتغيير نوع الجهاز، وبعد اجراء تلك العملية له، تحسن وضعه الصحي، و لم ترجع له تلك الحالة مرة أخرى، فقد كان ذلك نتيجة عدم مناسبة الجهاز القديم له.

من الطبيعي أن يختلف التعامل مع طفل يحمل جهازاً تحت فروة رأسة، حيث يكون التركيز منصب عليه لمتابعته أثناء اللعب تحسباً لسقوطه على رأسه أو تلقي ضربات على مكان تواجد الجهاز في رأسه.

المثانة العصبية وسلس البول، و الالتهابات البولية: غالباً ما يعاني المصاب بالصلب المشقوق بمشاكل في الإخراج والتحكم في البول، وقد يفقد الإساس بحاجته للذهاب إلى دورة المياه، وللتعايش مع هذه المشكلة تصبح القسطرة أسلوب حياة لهؤلاء، و تكون حسب أوقات مجدولة مسبقاً، ولا بد من إلتزام الدقة في المواعيد وعدم التساهل فيها تجنباً للإلتهابات البولية التي قد يسببها التهاون في مواعيد القسطرة البولية.

بعض الحالات تكون المثانة فيها مشدودة، فتلزم صاحبها بإستخدام القسطرة عدة مرات في اليوم، والبعض الآخر تكون رخوة، فتطرح أمام صاحبها عدد من الحلول المختلفة.

الحساسية من المطاط: منذ ولادة فيصل تم التعامل معه وكأن لديه حساسية تجاه المطاط بالرغم من أنه لم يبد أي ردة فعل تجاهه، إلا أنه ولا يزال هناك تشدد في الإجراءات بالذات الطبية منها عندما يتم التعامل مع فيصل لإبعاده عن أي مادة يدخل المطاط في تكوينها، واستبدالها بأخرى.




الحلقة السادسة والعشرون: الى الأولومبياد



بالرغم من أن حركة فيصل بطيئة بعض الشيء، فمازالت مشيته غير متزنة بشكل كامل، ويجد صعوبة بنسبة معينة أثناء الجري، ونادراً ما يتمكن من صعود الدرج والنزول منه بلا مساعدة، إلا أنه لا يجد أياً من ذلك عائقاً يحبطه أثناء لعبه مع أقرانه سواءً في المدرسة، أو النادي، أو اللقاءات العائلية.

فعندما بدأت شخصية فيصل الذكورية تتشكل من خلال حركته في المنزل، وشقلباته وحركاته البهلوانية التي يستعرض بها أمام أخوته، أردت توظيف ذلك ضمن رياضة معينة ليتبناها فيصل كهواية يمارسها ليفرغ بها طاقاته، ولتحافظ على صحته، ولياقته، ولكي تسهم في المحافظة على مستوى معنوياته المرتفعة.

السباحة:
جربت مع فيصل عدة رياضات، بدأناها بالسباحة في عمق قصير، بحيث يستطيع الوقوف على قدميه داخل حوض السباحة، و ان يتمكن من الحركة بأريحية داخل المسبح حتى يألفه، وسرعان ما فعل!
 خضع فيصل لعدة دروس في السباحة مع مدربة متخصصة، علمته فيها أساسيات السباحة ومبادئها الصحيحة، إلا أن فيصل لم يكن متحمساً لما تعلمه اياه المدربة، فقد كان مفتوناً بشيئ آخر، يتحين الفرص لمزاولته، كان فيصل مغرماً بالغطس، فقد كان يطلب مني أن أعد له الثواني أثناء غطسه، فيغطس 5 ثوان، ويخرج رأسه متلهفاً لمعرفة الوقت، فأخبره بأنه غطس 10 ثوان! فيتلفت متفاخراً مستعرضاً انجازه الصغير امام من هم حوله، ثم يضحك مغتبطاً، ويعيد الكرة مرة بعد مرة، حتى خشيت عليه.

الدراجة:
قرأت عن أهمية ركوب الدراجة لذوي الصلب المشقوق؛ وذلك لما لها من دور مباشر في تقوية عضلات الفخذ الداخلية والتي تمرن قدمية، لتسهم في تطوير مشيته وتحسينها، كانت أول دراجة ركبها فيصل عندما كان عمره سنتين، وكانت على شكل سيارة بأربع عجلات، فيركب الدراجة واضعاً قدمية على الأرض ثم يبدأ يحرك السيارة ماشياً على قدميه.

عندما كبر قليلا أحضرنا له دراجة بثلاث عجلات، و لكنه لم يتقبل فكرتها في البداية، و مع التدريب أصبح يقضي وقتاً ممتعاً عليها.

الكاراتيه:
تحمس فيصل للعب الكاراتيه بعد برنامج تلفزيوني شاهده، فألحقناه مع أخيه الأكبر محمد  – 10 سنوات – لنادي يدرب الأطفال على الكاراتيه، و قد وجد في تلك الرياضة مساحة أكبر للتنفيس عن طاقته وحركاته الشقية، فيعود للمنزل منهكاً خائر القوى، متفاخراً بحزامه الأول (الأبيض).
ما زلت أعرّض ابني لأنواع متعددة من الرياضات، وذلك لإتاحة الفرصة له لإنتقاء ما يناسبه وما يرغب أن يمارسه، و ربما كانت المحطة القادمة الأولمبياد، من يعلم؟



الحلقة الخامسة والعشرون: غالية... صديقة فيصل



كل يوم يكبر فيصل فيه، أجده يتعلق بالحياة أكثر فأكثر، مترجماً ذلك بحيويته الدائمة وولعه الشديد بالتعلم والأكتشاف، حاله كحال الصغار في سنه، وحالما أدركت ذلك؛ أردت بشدة تعزيز ذلك الشعور النابض بالحياة لديه، وذلك باستثماره فيما يعود عليه بالفائدة في المستقبل، فقررت ان الحقه بالمدرسة ليتعرف فيها على أطفال بعمره؛ يتعلم معهم و يشاركهم في اللعب، و يمارس طفولته بشكل طبيعي.

لا شك أن مخاوفي على صغيري كانت تطغى على أفكاري بعض الأحيان، فأتعمق بالتفكير، وتساورني بعض الشكوك التي تجعلني أتساءل؛ ماذا لو دفعه أحد الأطفال وسقط على رأسه؟ ماذا لو تأثر جهاز التصريف؟ ماذا... وماذا...و ماذ...، أسئلة لم تنتهي حتى ألجمتها بتوكلي على الله، و تجاهلت مخاوفي كلها، وبدأت برحلة البحث عن مدرسة مناسبة لأحتياجات فيصل، حيث كانت لدي قائمة بالمعايير التي حددتها لتساعدني في إختيار المدرسة، كان على رأس تلك القائمة؛ كون المدرسة قريبة من المنزل، لأن فيصل مازال يحتاج مساعدتي في دورة المياه بنسبة معينة، ولا أحد يستطيع أن يحل محلي في هذا الأمر، وبناء على ذلك ظهرت الحاجة الملحة لأن تكون المدرسة قريبة من المنزل.

بعد بحث ومقارنات، وجدت مدرسة صغيرة قريبة من منزلي، كانت تربطني بأصحابها علاقة طيبة، وربما كان ذلك سبباً لأن يرحبوا بطفلي أيما ترحيب، و أن يتعاونوا معي لإنجاح تلك الخطوة التي اتخذتها والمتمثلة بإلحاق فيصل بالمدرسة.

الأيام الأولى كانت صعبة جداً على فيصل وعليّ، فلم يعتد فيصل الأنفصال عني بعد، ولم يتقبل فكرة المدرسة في البداية، ففي المنزل كان يبكي رافضا الذهاب للمدرسة، يغلبني في بعض الأحيان، وأغلبه في أخرى، وحين يصاب بالغثيان في بعض الصباحات؛ أضطر الى إبقاءه في المنزل، أو الخروج للمدرسة في وقت متأخر، وتجنباً لأزعاج معدته صباحاً كنت أحاول ايقاضه برقة ولين، و أحاول تلطيف الجو وإشغال ذهنه بأمور يحبها حتى ينسى الأفكار السلبية التي كوّنها عن المدرسة؛ هذا ما كان يحدث في المنزل، أما ما كان يحدث في المدرسة فلم يكن بعيداً عن الأول!! حيث كنت أضطر للبقاء معه طوال فترة الدوام لعدة أسابيع، قضى أولها جالساً معي في صالة الإنتظار، يتشجع فيأخذ جولة صغيره حولها ثم ما يلبث حتى يعود إلي مسرعاً مرتمياً في أحضاني.

كنت قد عقدت العزم على أن يلتحق فيصل بشكل كلي في المدرسة، ولا أنكر أنها ساورتني بعض الأفكار لأن أسحب طفلي لعدم تقبله للفكرة، و أكفيه المعاناة كل صباح، لكني أعود وأمني نفسي بأن أصبر أسبوع واحد فقط، فالذي يليه وهكذا.

لم يطل فيصل مأساتي بالمداومة في المدرسة بشكل يومي، فقد بدأ يألف الدخول للفصل، وبدأ يشكل علاقات صداقه مع الأطفال في المدرسة، حتى ألفهم، وألف العاملين، وكان لوجود ابنة صديقتي والتي هي في نفس عمر فيصل دوراً رئيسيا في ارتياح فيصل و قبوله لدخول الفصل، كانت صديقة فيصل الصغيرة تدعى "غالية".

عندما أنظر لغالية وفيصل، أسبح لله حسن تدبيره، وأتعجب كيف أن تلك الطفلة تحتوي فيصل وكأنما سخرها الله له، فهي تمسك بيده وتساعده على صعود الدرج والنزول منه، تلعب معه، وتحمل له حقيبته بعض الأحيان، علاقة بريئة ربما نشأت بين الصغيرين، كان أثرها أن انتظم فيصل في الصف التمهيدي.

كنت أزور فيصل أثناء الدوام مرة كل يوم في حوالي الساعة العاشرة، لأطمئن عليه، وأنظر الى احتياجاته، وإن هو احتاجني قبل موعد زيارتي له فانه يطلب من معلمته ان تتصل بي، فلا يفصلني عنه سوى 10 دقائق حتى أصل إليه.

في الفصل الدراسي الثاني انتقل فيصل و صديقته غالية إلى مدرسة أخرى، كان لها دوراً رئيسيا في تطوير قدرات فيصل، فقد تعرف فيها على أطفال جدد، ومعلمات جدد، ولم يواجه فيصل وغالية أية مشاكل في التأقلم، فقد أثارا إعجاب الإدارة الجديدة بانسجامهما السريع، وبالتأكيد وجودهما مع بعضهما ساهم في هذا الإندماج السريع.

مع الوقت تلاشت مخاوفي المتعلقة بفيصل والمدرسة، قابل ذلك زيادة في ثقة فيصل بنفسه، حتى أنه بدأ يطلب مني أن لا أنزل معه للمدرسة مؤكداً لي بأنه يستطيع الدخول، وصعود الدرج لوحده، فكنت اتفاعل معه، و أتركه يقوم بذلك لأعزز ثقته بنفسه.

لا يرى فيصل أنه مختلف عن الأخرين بشيء، فهو يشارك بكل الأنشطة والفعاليات، و يستمتع بالألعاب و المنافسات.



الاثنين، 29 يوليو 2013

الحلقة الرابعة والعشرون: احلام فيصل



الذكي:
منذ أن كان فيصل في عامه الأول وأنا أُخضعه لاختبارات بسيطة لأتبين قدراته العقلية، فقد حذرني الأطباء بأن الجنين قد يصاب بدرجة من التخلف العقلي، و مع كل إجراء اتخذه لأختبار قدرات فيصل؛ أجد ردود فعل الصغير تماماً مثل ردود باقي الأطفال في عمره، ولم ألحظ أي اختلاف.
مع مرور الوقت لاحظت ولع الصغير بالألعاب، وحبه للاستكشاف والأطلاع، كما انه كشف عن قدرة متميزة على حفظ الآيات القرآنية والأناشيد، والتقاط الألفاظ والمصطلحات الجديدة، والتي كان التلفزيون مصدراً لبعض تلك المصطلحات بالذات العربية الفصيحة.


مختبر فيصل العبقري:
في أحد المناسبات سألت فيصل عن الهدية التي يرغب بأن يحصل عليها، فبادر بالإجابة: "أريد مختبراً!! "، تفاجأت في الحقيقة برده، واستكبرت طلبه على عمره؛ فلم يكن تجاوز الرابعة آنذاك. ولكن تلك الابتسامة الساحرة، وبريق تنيك العنين الذي اخترق نظارته الظريفة الزرقاء كسهماً اخترق قلبي وانغمس في وسطه حتى بلغ أقصاه، لم يكن في يدي إلا أن أعتبر الموضوع قيد التنفيذ!
خرجت بنية بناء مختبر صغير لفيصل، فأحضرت له مجهراً من محلات الألعاب التعليمية، وبعض الدوارق التي سكبت فيها مياه ملونة بملونات طبيعية، والتي تستخدم عادة في إعداد الكعك وتحضير الطعام، ومعطفاً أبيض صغير، وبعض التجهيزات الصغيرة الأخرى؛ كلها جمعتها على طاولة وفاجأت فيصل بها صباح اليوم التالي.


رجل أطفاء:
عندما التحق فيصل بالمدرسة كان من ضمن الفعاليات التي شارك فيها فعالة (يوم المهنة) والتي اختار فيها أن يرتدي زي رجل الأطفاء، واستمتع بتمثيل دور البطل المغوار، والذي يبذل روحه رخيصة في سبيل إنقاذ الأخرين.


دكتور فيصل:
عندما نذهب لمواعيد المتابعة الدورية في المستشفى، يسعد فيصل بتلك الدقائق التي يتأخر فيها الطبيب عن الدخول لغرفة الفحص، فيقفز ويتموضع على كرسي الطبيب ويتقمص الشخصية بالتفصيل ابتداءً من النظرة الفاحصة من خلف النظارة المرتخية بإهمال على طرف الأنف، مع انحناءة ظريفة الى الأمام، إلى نبرة الصوت وحركات اليدين.
يحلم فيصل بأن يمتلك سيارته الخاصة، ويحلم بالسفر و الترحال، أحلامه الصغيرة تشبه أحلام كل الأطفال، ولكنه جعلها مشرقة مضيئة بروحه المميزة وقدرته على الكفاح والصمود.



الحلقة الثالثة والعشرون: فيصل اليوم



لفيصل حضور ملفت، و طلّة متميزة، فهو دائماً يحصد الانتباه في أي مكان يدخله، مشكلاً محطة تتوقف فيها ذكريات من مر بهم بعفوية، فعباراته البسيطة، وتعليقاته الظريفة البريئة، والتي يلقيها بالعربية الفصيحة، وقعاً خاصاً لدى الآخرين، ويقابل صغيري عبارات الإعجاب والإطراء دوماً ببسمة خجل.

لدى فيصل قاعدة عريضة من الأصدقاء بمختلف الأعمار، ويستمتع بالأحاديث والنقاشات التي تدور بينه وبينهم، مستخدماً خياله الواسع في الوصف وتخيل ما كان، وما لم يكن.

كبر فيصل ليحرق كل الأفكار السلبية التي كانت تنمو في رأسي، والتي كانت تجعلني أعتقد بأن صغيري سيواجه الرفض من المجتمع وأنه لن يتمكن من تكوين صداقات، فاليوم يصل لفيصل مكالمات خاصة من أصدقاء له من الأقارب (مبتعثين) للدراسة في أمريكا.