الجمعة، 12 يوليو 2013

لحلقة العاشرة : اللقاء الاول



أصعدوني لغرفتي وتركوني هناك أتعافى من آثار التخدير والولادة، لم تكن حالتي الصحية تسمح بأن أرى طفلي الذي كان يقبع في سرير زجاجي مخصص في العناية الفائقة، فلم أره منذ أن وضعته إلا في صورة إلتقطها زوجي له من خلف زجاج الحضانة، كان جميلاً جداً، صغيراً وضعيفاً، اكتسى رأسه الصغير بشعر أسود كثيف وكأنها قبعة من الريش الأسود الناعم، ابتسمت عندما رأيت صورته، فقد كان جميلا جداً، ورأسه ظريف وطبيعي جداً جداً، ولم يكن متضخماً كما كان متوقعاً له.

بعد ثلاثة أيام، وعندما بدأت أسترد قوتي طلبت من الممرضات أن يأخذنني إلى الحضانة حيث ابني الذي أطلقنا عليه في ذلك اليوم بالذات إسم "فيصل"، فحملنني على كرسي متحرك إلى العناية الفائقة، في الطريق إلى هناك شعرت بأن الممرضة تتباطئ بخطواتها، والمصعد شديد البطء، أردت وضع الممرضة على الكرسي الذي أجلس عليه، وحملها هي والكرسي فوق رأسي وأجري بأسرع ما أستطيع، أردت أن يكون بيدي جهاز تحكم فأسرع اللقطات الكئيبة والطويلة، كنت متوترة بشدة طوال الطريق، متلهفة للصغير، وخفقات قلبي تزداد قوتها كلما اقتربنا من الحضانة، وما أن دخلنا حتى بدأ توتري يخف تدريجياً، وأصبحت أراقب ممرضتي وهي تقرأ اسمي على زميلاتها واسم طبيبي، طالبة بذلك إحضار ابني إلي لكي أراه، فأشرن إلى رضيع كان قد كُفئ على بطنه، في سرير بعيد... ذاك هو فيصل...

للمرة الأولى التي أرى فيها ابني... صغيري الذي قاتلت من أجله، ما أجمله!  وكم هو صغير، شعرت بأنه متناهي الصغر، لا يتحمل هذا الألم الذي يمر به والألآم التي تنتظره، فحتى الأن هناك عمليتان كبيرتان في أجندته الصغيرة!

أردت أن أحضنه، و أن أضع يدي عليه، ألمسه، لكني لم أستطع ذلك، فقد كانت الفتحة التي في أسفل ظهرة لم تغلق بعملية جراحية بعد، ولا يفصلها عن الفضاء الخارجي سوى ضماد ألصق على ظهره بإحكام.  ولذلك هو في بيئة معقمة والإجراءات مشددة حوله حفاظاً على سلامته، لذلك اكتفيت بالنظر إليه من خلف الزجاج واقفة على قدمي أتأمل ملاكي الصغير.

في صباح اليوم التالي زارني الطبيب الذي أجرى لي عملية الولادة، و اطمأن على حالتي وطمأنني على وضعي الصحي، ثم أوصاني بأن أنزل لفيصل في العناية الفائقة، وأن أحضنه وأغمره، وأحاول أن أرضعه، فذلك سيساعدني وابني في التحسن، سعدت بذلك الطلب بحجم قلقي عليه، فقد كنت متخوفة من حمله، فأنا أخشى أن أؤذيه من حيث لا أعلم.

كان فيصل عارٍ من الملابس، يلبس حفاظاً فقط، وقد أحكم أغلاق الجرح الذي في أسفل ظهره بضماد طبي، لم أفكر كثيراً فقد كانت عاطفتي أعنف من أن تستمع لما يقوله عقلي، فتشجعت ونزلت إليه وجلست في أحد زوايا الحضانة، و أحضروا فيصل إلي، ووضعوه في حضني، فحضنت صغيري لأول مرة، وبقيت كذلك حتى تعاونت الحاضنات بأن أحطنني بحاجز لمنحي بعض الخصوصية لإرضاع صغيري، فأصبحت أتردد عليه بين الفترة والأخرى لإرضاعه، ولكن ذلك لم يدم طويلا فبعد أيام أصبت بورم في قدمي، فكتب لي الطبيب مضاداً حيويا في الوريد ومنعني من الرضاعة، فاكتفيت بالشم و الإحتضان.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق