تشبعت
من رائحة المستشفى، من الروتين والوحدة اللذان أفقداني طعم الأجتماع بالناس، وحميمية
البيت التي كانت تمثل لي الحياة بكامل تفصيلها، فافتقدت شجار أبنائي على من سيمسك بجهاز
التحكم عن بعد للتلفزيون، أفتقد أصواتهم، وحركتهم التي كانت تفقدني صوابي في بعض
الأحيان، أفتقد رائحة قهوتي التي أعدها بنفسي، وأشارك بها زوجي كل صباح، و أحن لتفاصيل
صغيرة تركتها في منزلي، وأعلم أنها تفتقدني هي أيضاً، اشتقت لمرآتي، مبخرتي،
ومنضدة صغيرة وضعت عليها صور أبنائي.
في إجازة
الصيف لعام 1429 هـ، أكمل فيصل عاماً كاملاً قضى معظمه في
المستشفى، كانت نتيجته أن أنهكت جسدياً، وأرهقت نفسياً، و ها أنا أتوق لأجواء
منعشة، فرائحيه، لأروّح عن نفسي، ولأعوض أبنائي عن ما مروا به خلال العام المنصرم.
في أحد أيام ذلك الصيف أخبرنا الطبيب بأن حالة
فيصل في تحسن وأنه سيكتب له إذناً بالخروج من المستشفى يوم الأربعاء القادم،
فسألته إن كانت صحة فيصل تسمح له بأن يسافر؟ فرد علينا بالإيجاب مع قائمة من
النصائح والإرشادات.
كنت متحمسة جداً للسفر خصوصاً وأن أسرتي كانت قد
اجتمعت في مصر، ضمن رحلة عائلية نظمها والدي لإخوتي وأخواتي. عندما عقدت العزم على
اللحاق بهم – حيث أنهم كانوا قد سبقوني
بأسبوعين – حجزت على أقرب رحلة وجدت فيها مقاعداً لي ولأبنائي والتي كانت فجر يوم
الجمعة.
أعددت
قائمة دقيقة لاحتياجات فيصل من أدوية ومسكنات وأجهزة للتنفس، وغير ذلك، حتى أن
تركيزي عليها أفقدني التركيز على حاجياتي الخاصة التي قد أحتاجها في السفر، والتي
تفاجأت بأني قد نسيت معظمها! لكن لم يترك
ذلك أثراً اطلاقاً، فحالما حطت الطائرة في مطار الإسكندرية حتى تنفست الصعداء وأنا
أشم رائحة الأهل، وأسمع صوت السعادة تغذ الخطى قادمة نحوي.
خرجت
من المطار في تمام الساعة التاسعة صباحاً، ووجدت والدي وأخي بانتظاري منذ الساعة السابعة
صباحاً، حيث علمت لاحقاً بأن والدي لم يستطع النوم بعدما صلى الفجر؛ خوفاً من أن
يتأخر علي وعلى أبنائي في المطار.
قضينا
فترة جميلة هناك، إذ أن رطوبة الجو واعتداله أثرت إيجاباً على صحة جهاز فيصل
التنفسي، والذي تحسن بشكل ملحوظ، فلم تعد
هناك حاجة لأجهزة التبخير كثيراً كما هو معتاد عليه في الرياض، وكم أسهم ذلك في تبديد
مخاوفي كلها وجعلني أخلع معطف التوتر كاملاً و أن أسمح لنفسي بأن "أحتفل"
بأول ختم في جواز صغيري فيصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق