يصفني
البعض بأني (أم الجميع)، فأنا أحتوي الكبير والصغير، و أشعر دوماً بأنه من واجبي رعاية
الجميع، وبالأخص الصغار منهم، و نتيجة لذلك أجد لي قبولاً واسعاً بين أطفال العائلة،
والأطفال من حولي بشكل عام. فأنا مستودع أسرار الكبار، والمستمع الأول للمراهقين والشباب،
والراعي الرسمي للأطفال في اجتماعات العائلة!
ألعب
تلك الأدوار وأمارسها بحب، وأستمتع بالمردود العاطفي الذي يعود علي منها، فعليه تتغذى
روحي وتنمو مشاعري، أمن شيء أجمل من أن نرى البسمة على وجوه أحبتنا؟
وجود
صغاري حولي يشعرني بالإمتلاء العاطفي، ولكن بعدما كبر طفلي الرابع محمد بدأت أشعر بالحنين
للرضّع، وداعبتني مشاعر الأمومة التي فطرنا الله عليها معشر النساء، فاردت صغيراً يملأُ
حضني؛ أُضيفه لعائلتي الصغيرة، أردت رضيعاً يكون لي قناة أجري بها مشاعري التي كانت
شعلتها تعلو شيئاً فشيئاً، و تشغل تفكيري، فصرت أُهيئ نفسي، وأرتب أموري إستعداداً
لذلك التغير الذي أتلهف لإحداثه في عالمي ويمتد تأثيره على من حولي.
كان
لدي الكثر لأُفكر به، ومن ذلك صحتي، إذ أن لدي حالة صحية مزمنة تتمثل بوجود أجسام مضادة
في دمي، والتي قد تشكل خطراً على الجنين، فهي بوصف مبسط أجسام تجري مجرى الدم تحارب
كل شيء دخيل على الجسم، ومن ذلك الأجنة، فتمنع وصول الدم للجنين، وإذا لم يتم متابعة
هذه الحالة بشكل دقيق أثناء الحمل فإنها قد تؤدي إلى وفاة الجنين، وللحيلولة من
ذلك فقد اعتدت أن أراجع الطبيبة فور اكتشاف الحمل لمباشرة برنامج المتابعة، وهو إجمالا
عملية متابعة دقيقة بالأشعة الصوتية تجرى بشكل دوري للتأكد من كمية الدم التي تصل
الجنين وأنها بدرجة كافية تضمن نموه بشكل طبيعي.
مر
عامين من الإنتظار والترقب للحمل، ولكن الله لم يكتب ذلك خلال تلك الفترة لحكمة يعلمها،
مع مرور الوقت ساورتني بعض الشكوك، ورحت أتساءل ... ترى هل الأجسام المضادة لها علاقة
بتأخر الحمل؟ هل أسلوب حياتي ونظامي الغذائي هما السبب؟ أم بعض الأدوية التي كنت أتناولها
أثرت في تأخير الحمل؟ تزاحمت التساؤلات في رأسي، وأحرقتني تلك الوساوس المترددة داخلي،
فأعمد لأن أستعيذ بالله منها وأنصرف بالتفكير عنها، و كنت أنجح بصرفها، ولكنها ما تلبث
أن تعود لتقلق مضجعي.
لم
أطق الإنتظار والترقب، فقد بدأ التوتر يظهر على بعض تصرفاتي التي أثرت سلباً على
نفسيتي وعلى تعاملي مع أطفالي وزوجي ومع الآخرين، ولأقطع الشك باليقين؛ راجعت الطبيبة
لإجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من سلامتي وأنه لا يوجد لدي عارض صحي يمنع حملي، فطلبت
مني بعض التحاليل التي تحتاج لشهر آخر، و انتظرت حتى موعدي الجديد، وفي الموعد الجديد
طلبت مني طبيبتي إجراء تحليل حمل، فأكدت لها أني لست حاملاً، ولكنها أصرت على إجراء
التحليل للتأكد، وهنا كانت المفاجأة!!
"أنت
حامل"، قالتها لي الطبيبة على مسامع صغيرتي عبير ذات التسعة أعوام، والتي لم يمض
على شفائها من حساسية القمح أكثر من شهرين، فما إن سمعت الخبر حتى كادت أن تطير من
الفرح، وبشرت به كل من رأت ابتداءً من السائق ولا أعلم لقائمتها نهاية، فقد كانت سعادتها
غامرة لم يستطع قلبها الصغير احتوائها.
بالنسبة
لي كانت مفاجأة سارة، فقد كنت أترقب ذلك لأشهر عديدة، وجاء في الشهر الوحيد الذي لم
أكن انتظره فيه، سبحان الله! ولعل ذلك أسهم بان كان للخبر وقعاً لذيذا على نفسي.
بدأت
برنامج متابعة الحمل، وما يتبعة من تناول الفيتامينات، والمكملات الغذائية، والتي
حرصت على تنظيمها أشد الحرص، فقد كان ذلك بالنسبة لي أقرب ما يكون روتيناً، أو رقصةٌ
أعرف خطواتها، فأعرف كيف أبدا و متى أنتهي.
كان
حملاً لطيفاً، خفيفاً، بالرغم من المخاوف التي كانت تحيط بذلك الحمل والناتج عن
وجود الأجسام المضادة في دمي، والذي كان يستدعي متابعة دقيقة كما ذكرت آنفاً، في
أحد مراجعاتي في الأسابيع الأولى طلبت طبيبتي مني إجراء أشعة فوق صوتية للجنين،
والتي لم تكن من ضمن برنامج الحمل المعتاد في المستشفى الذي أتابع فيه، إلا أن وجود
تلك الأجسام المضادة لدي جعلت حالتي تستدعي ذلك – ورب ضارة نافعة - .
كنت
مراجعة مثالية، ملتزمة بالوقت وبالقوانين، ففي غرفة الأشعة فوق الصوتية، اتخذت الوضعية
المطلوبة، وبدأت الأخصائية تأخذ صور الأشعة كالمعتاد، ولكنها هذه المرة كانت أطول من
المرات السابقة، فلم يكن أول حمل لي!، وأعرف الوقت المستغرق عادة لمثل هذا الإجراء،
لكني لم اتذمّر، لربما أردتهم في داخلي أن يأخذوا كامل وقتهم، فقد كان ذلك الشعور
مطمئناً لسبب ما...
أثناء
إجراء الأشعة استأذنتْ الأخصائية مني، وخرجت لبعض الوقت ثم عادت بزميلة لها أخرى، وتسمرت
أعين الإثنتين على الشاشة، وتبادلتا كلمات مقتضبة، ومالبث أن انضمت لهما ثالثة فرابعة...
إستغربت قليلا من ذلك التجمهر في غرفة صغيرة كاللتي كنت فيها، عندها سألت الأخصائية:
هل هناك خلل ما؟ هل يعاني الجنين من مشكلة ما؟ فبادرت بطمأنتي، و أسهبت في التأكيد
بأنه لا يوجد ما يستدعي القلق، وبررت ذلك بأنها فقط تستشير زميلتها، واستطردت بأن عملها
فقط التقاط الصور وأنها لا تعرف كيف تقرأها وأن الطبيب وحده هو الذي يستطيع أن يحدد
إذا كان هناك مشكلة أم لا.
في
الحقيقة؛ كان الوضع مريباً لأي شخص طبيعي، ولكن بالنسبة لي كان الوضع مختلفاً
قليلاً، فلعلي أخترت أن أصدقها، إذ لم يخطر في بالي ما نسبته 1% بأن هناك خطب ما بالجنين،
ولم يثر بقائي في غرفة الفحص لما يزيد عن الساعتين في إجراء لا يتعدى الربع ساعة شكوكاً
صارخة، كان مجرد صوت ضعيف مالبث أن اختنق بعد حديثي مع الأخصائية، فأقنعت نفسي بأن
الأخصائية فتاة مجدة وحريصة، والأخريات متدربات جئن لمجرد الإطلاع والتعلم.
شكرت
الأخصائية، وذهبت إلى منزلي لأناقش موضوع الساعة مع صغيراتي (قائمة التسوق للمولود
الجديد).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق