تعلمت مع الوقت كيف أتعامل مع فيصل، فبدأت أتواصل معه، أداعبه، وأخاطبه، وأعتقد أنني واياه قد وطدنا علاقتنا مع بعضنا البعض في تلك الفترة، فكنت ألعب معه، وأحكي له عن أخوته في المنزل، وأطلب منه أن لا يصاب بنوبات توقف تنفس أخرى!!
أعلم أنه مازال صغيراً، وقد يظن البعض أن ذلك ضرباً من الجنون، ربما كان كذلك، ولكنه بالنسبة لي كان مجرد أملاً أتمسك به يواسيني في فترة أنشغل بها الناس عني، فالعيد على الأبواب، والكل منشغل بالتجهيز والأعداد له، فكانت بنياتي يسألنني بغصة، كيف نقضي العيد بدونك؟ ولا أجد ما أجيب به، لأني كالواقع بين نارين، الذي لايعلم ماذا يخمد وماذا يترك... فما كان مني إلا أن احتسبت الأجر وصرفت تفكيري لكل ما هو إيجابي قدر استطاعتي.
قبل العيد بيومين، زار فيصل طبيبه الذي يتابع حالته، واطلع على حالة فيصل كالمعتاد، وبارك لنا نهاية رمضان واقتراب العيد، ثم سألني إن كنت أريد الخروج لقضاء العيد مع أسرتي، فلن يكون في المستشفى أطباء خلال إجازة العيد، حيث أن الكل سيقضي 3 أيام العيد مع أسرته، والمستشفى سيكون شبه متوقف خلال هذه الفترة، تفاجأت حقيقة بهذا الأمر، فلم أكن مستعدة له، وما أن أنتهى حتى بادرته بالسؤال عن فيصل؟ وإذا ماكان خروجنا للمنزل في أيام العيد سيؤثر على صحته، فقال أنه بإمكانه أن يغطي الجروح بإحكام، ولكنها تظل مجازفة، كان تصريحه ذلك كافياً لأن ارفض عرضه بالخروج، خصوصاً بعدما استعرضت في ذهني ما مررت به من تحديات، فقررت أن لا أجازف بخطوة حمقاء تهدم صبري وجهادي الماضي وتعرض صغيري لأي خطر، فلم أكن مستعدة أبداً لذلك.
ليلة العيد كان الهدوء يخيم المكان، فقسم المخ والأعصاب للأطفال لم يكن به سوى فيصل في غرفة بها 3 أسرة خالية، وغرفة أخرى ضمت عبدالرحمن الطفل المصاب بسرطان الدماغ.
شعرت بنوع من الوحدة، وكنت أفتقد ضجيج الزوار، وأصوات طقطقة فناجيل القهوة ببعضها، كان ذلك الإزعاج مؤنساً في ظل الهدوء الرهيب الذي أحاط بنا، حتى أنه خيّل إليّ للحظات بأني أسمع صوت رموشي تصطفق ببعضها في كل مرة أرمش بها!
في تلك الليلة دخلت الممرضة الغرفة لتطمئن على فيصل، وقالت لي بلفتة لطيفة:" ما رأيك بأن نجهز فيصل للعيد؟ أريد أن أعطيه حماماً وأغسل شعره"، ترددت قليلا ولكنها طمأنتني بأن كل شيء على ما يرام وأنها تعرف تماما ماذا تفعل، وبالفعل أغلقنا باب الغرفة، وقربنا سريراً صغيراً إلى المغسلة، ثم وضعنا فيصل عليه، وبدأت بغسل شعره برفق، ثم مسحت ما استطاعت من جسده بإسفنجة معقمه، جففناه بعدها وألبسناه ملابس نظيفة، أزعم بأنه فرح بها، حيث نام نومة هادئة بعد حمام العيد هذا، كان ذلك بالنسبة لي أجمل عيدية، ولم ينغص علينا عيدنا الهادئ الموحش سوى خبر تلقيناه صباح ثاني يوم العيد حمل خبر وفاة جارنا الصغير عبدالرحمن في الغرفة المجاورة جعله الله شفيعاً لوالديه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق